من الذنوب والآثام التي ذمها الله في كتابه العزيز ونهانا عنها نهيًا مباشرًا صريحًا: التبذير والإسراف، لما يسببانه من عدم تقدير وإحترام لنِعَم الله وإهدارها هباء ودون جدوى، وإنفاق المال في غير طاعة وفيما يخالف الشريعة الإسلامية..
قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، وقال أيضًا: {كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام :141].
وقال جل شأنه محذرًا المسلمين من التبذير:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا*إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء:26-27].
ورغم أن شهر رمضان الفضيل شهر التقوى والبِر والإحسان والرحمة والمغفرة والرضوان، إلا أن الكثير من المسلمين يزداد إسرافهم وتبذيرهم في هذا الشهر بخلاف باقي شهور السنة، إذ يبالغون في شراء ما لذَّ وطاب من الأطعمة والأشربة والحلوى والمسليات وكأن رمضان موسم للأكل والتباهي، فيأكلون القليل منها ويتعرض ما يتبقى للإتلاف والرِمي في حاويات القمامة.. وذلك في الوقت الذي تعاني العديد من الأسر المسلمة من الجوع وضيق ذات اليد ولا تجد من يعطف عليها ويسد رمقها!
لا يقتصر الإسراف في رمضان على الأسر الميسورة الحال فقط، بل يشمل وللأسف الشديد غالبية الأسر من مختلف الطبقات والفئات غنيها وفقيرها -خصوصًا في العزومات والولائم الرمضانية التي يكون التفاخر بها هو سيد الموقف- كما إمتد الإسراف أيضًا إلى الإفطار في بعض المساجد وذلك عندما لا يتم التنسيق مع إمام المسجد أو القائم على برنامج الإفطار، حيث يحضر كل شخص أفضل ما لديه من الأطعمة والتمر والعصائر، مما يفيض عن حاجة الذين يفطرون في المسجد، وقد يكون بعضها مما لا يسهل حمله أو نقله فيرمى ويُتلَف!
هناك بعض الخطوات التي يمكن باتباعها علاج ظاهرة الإسراف في رمضان ومنها:
=أولًا: علينا جميعًا أن نعي ونفهم جيدًا المراد من صيام رمضان، وهو تطهير للنفس والمال والمجتمع، كما أنه عبادة صحيحة وتدريب على الصبر والجهاد والتضحية والمشقة، وليس رمضان شهرًا لإقامة الولائم والحفلات والتنافس في الملذات والترفيهات.
=ثانيًا: المحاسبة والمراقبة الذاتية قبل وأثناء الإنفاق والإستهلاك والتفكر والتدبر في النتائج المترتبة على الإسراف والتبذير والترف.. فمن شق عليه الحساب في الدنيا سهل عليه في الآخرة، وفي هذا الشأن يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتهيأوا للعرض الأكبر.
كما يجب على المسلم أن يتذكر الفقراء والمساكين والمجاهدين والوقوف أمام الله للمحاسبة الأخروية ليس في رمضان فحسب، بل في كل الأوقات، فالمحاسبة والمراقبة الذاتية الدائمة والمستمرة تجعل الفرد المسلم الصائم حازمًا مع نفسه يكبح هواها ويفطمها عن شهواتها ومطالبها، ويجعلها تسير في طريق الإسلام.
=ثالثُا: الإقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده في سلوكهم ونفقاتهم في شهر رمضان لاسيما من حيث الإقتصاد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ ابن آدم وعاء شرًّا من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن بها صلبه، فإن كان فاعلًا لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفَسه» رواه ابن ماجه.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: «كلوا واشربوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا ترف» رواه أحمد والنسائي.
=رابعاً: تجنب مصاحبة المسرفين والمترفين، وملازمة الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وفي هذا الخصوص يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» رواه الحاكم في المستدرك، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي» رواه أبو داود والترمذي.
إذا طبق كل فرد في المجتمع الضوابط الإسلامية للنفقات والإستهلاك في رمضان، وإذا التزم بالطريق الإسلامي في علاج أمراض الإسراف والتبذير والترف ونحوها لأدى ذلك إلى آثار طيبه منها:
ـ الفوز برضا الله في الدنيا والآخرة وقبول الصوم والعبادات المختلفة التي يؤديها الفرد في رمضان.
ـ توفير على الأقل 50% من النفقات التي كانت تنفق على ما لا ينفع ويعارض أحيانًا شريعة الله.
ـ تجنب الأسرة الوقوع في حمل ثقل الديون وحمايتها من مصايد الشيطان والكسب الحرام.
ختامًا: علينا نحن معشر المسلمين الصائمين أن نسير في طريق الإقتصاد في النفقات وننأى بأنفسنا عن السير في طريق الإسراف والتبذير المحفوف بالشياطين والمفسدين، وأن ندرك أن الغاية من الطعام والشراب هي التقوِّي على طاعة الله والفوز برضاه في الدنيا والآخرة، وليس ملء البطون والتفاخر ونسيان إخواننا من الفقراء والمساكين الذين لهم حقوق كثيرة علينا.
الكاتب: هناء المداح.
المصدر: موقع قصة الإسلام.